حنين وشوق وحزن يسكن قلوب الكثير من أطفال اليمن، ممن استحوذت الألغام على مدارسهم وحرمتهم منها، على غرار مدرسة الشعب عكاد في تعز.
بسبب الألغام عانت عدة مدارس يمنية من شلل تام، إذ عزف عنها طلابها وكوادرها التعليمية، وبات أولياء الأمور يرون فيها مقابر لأجساد أطفالهم وأحلامهم، حتى جاء المدد الإنساني لـ«مسام» فضخ فيها دماء الحياة مجدداً وعادت لسائر عهدها.
وبمناسبة اليوم الدولي للتعليم، سلط مشرف فرق «مسام» في تعز عارف القحطاني، على الدور الكبير والفعال الذي قام به «مسام» لإنقاذ المدارس اليمنية من جائحة الألغام.
وقال القحطاني «كثرة زراعة الألغام بعشوائية فجة أثرت كثيراً على المدارس بمحافظة تعز، ما انعكس بدوره على الطلاب والعملية التعليمية بأكملها، إذ تسرب العديد من هذه المدارس المنكوبة بعلب الموت، إضافة إلى نزوح الكادر التعليمي إلى محافظات أخرى».
ونوّه القحطاني إلى أن ما يزيد على 107 طلاب وطالبات عانوا من إصابات متفرقة بسبب حوادث ملغومة مأساوية، إذ تعمدت المليشيا زراعة ألغام مموهة في المدارس محاكية لأقلام وألعاب الأطفال، ما تسبب في إصابات العديد من الطلاب وحتى وفاتهم في أحيان كثيرة.
وبين القحطاني أن الكثير من المدارس في محافظة تعز، عانت انتشار الألغام فيها مثل مدرسة الشعب عكاد في جبل حبشي، وقد أنجز الفريق 22 مسام إنجازات إنسانية كبيرة في هذه المدرسة، إذ اكتشف العديد من الألغام والعبوات الناسفة والقذائف التي لم تنفجر بعد، وكذلك مدرسة قطيبة ومدرسة شهيد الزبيري في جبل حبشي ومدرسة الثورة في الميعارف ومدرسة عقبة بن نافع في صالة وكذلك مدرسة إبراهيم بن عقيل في مديرية صبر الموادم، حيث زرعت في كل هذه الفضاءات التربوية الألغام في المدارس نفسها ومحيطها والطرق المؤدية إليها.
وقال القحطاني إن هذه الألغام أعاقت العملية التعليمية، ما دفع بعض أولياء الأمور إلى الإحجام عن إرسال أطفالهم لها، خوفاً عليها من أخطار الألغام، وقد تعامل مشروع مسام بمهنية عالية واستجابة كبيرة أمام هذا الوضع الإنساني الحرج، إذ قام بتأمين العديد من المدارس المزروعة بكثافة عالية بالألغام.
وعبر القحطاني عن فخره بمشروع مسام، معتبراً أنه مشروع مستدام على الصعيد الإنساني ويجب أن يظل ويستمر في هذه المهمة التي نجح فيها إلى أبعد الحدود، إذ ما زالت محافظة تعز وعدة مناطق يمنية أخرى بحاجة ماسة إلى المدد الإنساني النبيل لهذا المشروع، لتعود الحياة برمتها إلى طبيعتها على الصعد الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية.
وفي هذا السياق، قال نائب مشرف التربية في مديرية جبل حبشي محمد حسان سعيد، «الزيارة الميدانية التي قمت بها مؤخرا إلى مدرسة الشعب عكاد جعلتني أقف على حجم الدمار الذي ارتكبته الألغام في هذا الفضاء التربوي الحيوي الذي تهاوت أجزاء كبيرة منه، وفقد فيه العديد من الطلاب والمربين حياتهم، وآخرون فقدوا أطرافهم في حوادث مأساوية تفطر القلوب».
وبين محمد حسان أن المناشدات العاجلة التي تم إطلاقها إلى فرق مسام العاملة في المنطقة، آتت أكلها سريعاً، حيث وجدت تجاوباً سريعاً وفعالاً من هذه الفرق التي هبت لإنقاذ أرواح الطلاب والتربويين الذين يعملون في مدرسة الشعب عكاد، إذ تم بناء سور بعد مسح منطقة المدرسة لعزل المنطقة الخطرة عن بقية المساحة التي يرتادها الطلاب للدراسة، لضمان استمرار العملية التعليمية في كنف الأمان والسلامة، حتى اتمام عملية التطهير الكاملة لهذه المنطقة.
ورفع محمد حسان أسمى عبارات الشكر والتقدير لمدير عام مشروع مسام وسائر أسرة هذا المشروع. وقال «كل الشكر والامتنان لرجل الخير والعطاء أسامة القصيبي، ولعناصر مشروع مسام المثابرين الذين ضحوا وما زالوا من أجل تأمين حياة اليمنيين من الألغام ومن أجل إنقاذ المدارس من سجون الألغام وإعادة الحياة للحركة التعليمية التي هي عماد نماء الشعوب وازدهارها».
وبمناسبة اليوم الدولي للتعليم، وجد العديد من اليمنيين الفرصة سانحة لشكر مشروع مسام على جهوده الرائدة في تأمين المدارس في اليمن من غزو الألغام، وإعادة الأمان لهذه الفضاءات التربوية الحيوية من الموت الملغوم الغادر.
وعبر الطالب سامح فارس وهو يتذكر ما كانت عليه مدرستهم قبل جائحة الألغام، عن حجم حزنه، قائلاً «كانت مدرستنا حلوة وجميلة، كبيرة تتسع للجميع كقلب الأم تماماً، كنا نحسها أماً لنا، وكنا بين أحضانها آمنين مطمئنين لا نعرف الخوف البتة، لكن حينما حدث الانفجار الملغوم في بعض فصولها تغير كل شيء، فزملائي هرب بعضهم وآخرون تركوا الدراسة ومنهم من فقد أطرافه، وقد صرنا نخاف باستمرار من الذهاب لمدرستنا التي كنا نحبها جداً، نخاف أن نهلك بسبب هذه الألغام، ونحن ندعو للفرق التابعة لمشروع مسام التي تعمل على تخليص مدرستنا من الألغام أن يتموا مهمتهم الطيبة سالمين، ونقول لهم إننا ندعو لهم بالسلامة ونتحرق شوقاً لتعود لنا مدرستنا معافاة من الألغام».
وقال الطالب هادي عبدالفاضل إن والده كان يرفض ذهابه لمدرسة الشعب عكاد، بعد أن علم أن بها ألغاماً كثيرة «لأنه يخاف أن يفقدني بسببها.. حرمتني الألغام من مدرستي وصرت أكتفي بالجلوس في البيت دون دراسة، وحينما أرى حتى على التلفاز أطفالاً يذهبون سعداء إلى مدارسهم ويجلسون في صفوفهم، أتألم كثيراً، فأنا أحب مدرستي كثيراً، وأبي يصر ألا أذهب بعد أن رفعت جسماً صغيراً بأحد أرجاء المدرسة وأنا ألعب، وفقدت بسببه 3 أصابع من يد واحدة، ومنذ هذه الحادثة زاد رفض أبي لذهابي لمدرستي وهذا يحزنني كثيراً».
واستدرك هادي «اليوم أنا سعيد جداً، فبعد أن أمنت فرق مسام المدرسة من الألغام اصطحبني أبي لمدرستي وعدت مع رفاقي ندرس ونلعب كما كنا في السابق، فشكراً لمسام الذي أعاد لنا مدرستنا الحبيبة آمنة من الألغام».
وقال عبده القاضي، والد الطفل هادي، من منطقة النويهان بجبل حبش بمحافظة تعز «انفجرت الألغام في مدرسة الشعب عكاد في صباح العيد، وقد خفنا كثيراً على أطفالنا، وأنا شخصياً منعت طفلي من الذهاب للمدرسة، فهادي أمسك صاعقاً بساحة المدرسة، بينما كان يلعب به حتى انفجر بين يديه، فبترت ثلاث أصابع من يده».
وشرح عبده القاضي معاناة الطلاب وأهاليهم قبل قدوم فرق مسام لتطهير المدرسة من الألغام «عانينا خوفاً كبيراً على أبنائنا، وتألمنا كثيراً لمنعهم من الذهاب إلى المدرسة».
وأضاف أنه تراجع عن قرار منع ابنه من الذهاب إلى المدرسة بعد قدوم فرق مسام وقيامها بتأمين مدرسة أطفالهم من الألغام «فرق مسام عملت بجد وضمير إنساني عالٍ في مدرستنا وحررتها من الألغام وعادت آمنة مجدداً بفضل تضحيات مسام، ونحن مدينون لهذا المشروع الخيّر».